عقد المرابحة ودوره في تمويل المشروعات وتعزيز الاقتصاد
عقد المرابحة هو عقد تمويل لتلبية حاجيات الأشـخاص عند عدم قدرتهم على تلبيتهـــا وحدهم، وذلك عن طريق طلب شراء سلعة محددة من طرف بنك ليقوم هذا الأخير بإعادة بيعها للعميل الذي طلبها مع هامش ربح محدد
مقدمة
يُعَدّ عقد المرابحة واحدًا من الأدوات المالية الهامة في الاقتصاد العالمي وخاصة في الاقتصاد الإسلامي. إنه يمثل نموذجًا للتمويل الذي يعتمد على مشاركة الأطراف في الأرباح والخسائر، وهو يساهم بشكل كبير في دعم المشروعات وتمويلها بطريقة شرعية ومتوافقة مع القواعد الإسلامية. في هذا المقال، سنتناول تفصيليًا مفهوم عقد المرابحة وأهميته في تمويل المشروعات وكيف يمكن لهذا الآلية أن تسهم في تعزيز الاقتصاد.
فهم عقد المرابحة
عقد المرابحة هو نوع من العقود المالية التي تقوم على مشاركة الأطراف في الأرباح والخسائر. يشمل هذا العقد مؤسسة ممولة ومؤسسة عاملة. تقوم المؤسسة الممولة بتوفير رأس المال اللازم للمؤسسة العاملة لتنفيذ مشروع أو عمل محدد. يتم تحديد نسبة معينة من الأرباح المتوقعة للمشروع، وتوزيعها بين الأطراف وفقًا للاتفاق.
مثال على ذلك هو مشروع إنشاء مصنع حيث تقوم المؤسسة الممولة بتوفير رأس المال اللازم لشراء المعدات والمواد الخام، بينما تقوم المؤسسة العاملة بإدارة وتشغيل المصنع. إذا حقق المصنع أرباحًا، يتم توزيعها بين المؤسستين وفقًا للنسب المحددة في العقد.
عقد المرابحة هو نوع من العقود المالية في الشريعة الإسلامية تُعتَبَر متوافقة مع أحكام الشريعة والأخلاق الإسلامية. يتميز هذا العقد بأنه يشمل توزيع الأرباح والخسائر بين الأطراف المشاركة في المشروع بنسبة مُحددة مسبقًا وواضحة. وهذا يتنافى مع الفوائد (الربا) التي تُعَتَبَر محظورة بشدة في الشريعة الإسلامية.
عقد المرابحة يتضمن عادة مؤسسة ممولة (تُسمى الشركة الممولة) ومؤسسة عاملة (تُسمى الشركة العاملة). يُقدم الممول رأس المال اللازم للشركة العاملة لتنفيذ مشروع محدد أو لإجراء نشاط تجاري. وفي نهاية المشروع أو الفترة المتفق عليها مُسبقًا، يتم تقسيم الأرباح وفقًا للنسب المحددة في العقد.
من الجوانب المهمة لعقد المرابحة في الشريعة الإسلامية هو أنه يجب أن يكون العقد شفافًا وعادلًا للأطراف المشاركة، وأن يتم الامتناع عن أي أشكال من أشكال الغش أو التلاعب. يجب أن يلتزم العقد بمبادئ العدالة والشفافية والنزاهة والمساواة بين الأطراف، ويجب أن يتم توضيح جميع الشروط والأحكام بشكل واضح ومفهوم للجميع.
بهذه الطريقة، يُعتَبَر عقد المرابحة وسيلة شرعية ومبتكرة لتمويل المشروعات والأنشطة التجارية دون اللجوء إلى الربا أو المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية.
أهمية عقد المرابحة
يتمتع عقد المرابحة بأهمية كبيرة في تمويل المشروعات وتعزيز الاقتصاد من عدة جوانب:
أ. تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة: يمكن لعقد المرابحة توفير تمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي قد تجد صعوبة في الحصول على تمويل من مصادر تمويل تقليدية.
ب. تعزيز الاستثمار: يشجع عقد المرابحة على زيادة الاستثمار في القطاعات المختلفة، مما يسهم في نمو الاقتصاد.
ج. الامتثال للقوانين الشرعية: يعتبر عقد المرابحة وسيلة تمويل شرعية ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يجعلها خيارًا مفضلًا للأفراد والشركات التي تلتزم بالأخلاقيات والقيم الإسلامية.
أنواع عقد المرابحة
تتنوع أنواع عقد المرابحة بناءً على طريقة تنفيذها والقوانين المحلية والشرعية. هناك اثنان من أنواع عقد المرابحة الشائعة:
1. المرابحة التقليدية
تعتمد المرابحة التقليدية على عقود مالية تجارية تعترف بها الأسواق المالية التقليدية. تتضمن هذه العقود تقاسم الأرباح والخسائر بين الأطراف، ويتم تنظيمها بشكل كامل وفقًا للأنظمة واللوائح المالية الدولية.
2. المرابحة الإسلامية
تختلف المرابحة الإسلامية عن التقليدية بالالتزام بالقواعد الشرعية الإسلامية. يجب أن تتوافر في هذا النوع من المرابحة شروط معينة، مثل عدم تحمل الفوائد والالتزام بمبادئ العدالة والشفافية.
تنقسم المرابحة الاسلامية إلى نوعين أساسيين هما:
المرابحة البسيطة:
وتعني بيع المالك لسلعة يملكها أصلا بمثل الثمن الأول وزيادة. مثل البيوع التي يقوم بها جميع التجار في العادة . فهم يشترون السلع ويضعونها عندهم حتى يأتي من يرغب بشراء السلعة فيبيعونه إياها بربح في العادة. وقد يكون البيع مساومة دون ذكر ثمنها الأول (التكلفة) أو أمانة أي ذكر ثمنها الأول. وقد يكون الثمن حالاً أو مؤجلاً او مقسطاً.
المرابحة المركبة (المرابحة للآمر بالشراء):
هي إحدى بيوع الأمانة، حيث يطلب شخص من شخص آخر أن يشتري له سلعة معينة ويعده بأن يشتريها منه بربح معين. وهذا النوع من البيع تقوم به المصارف الاسلامية ويشكل نسبة كبيرة من استثماراتها وهو أكثر أعمال المصارف الاسلامية إثارة للجدل.
المرابحة للآمر بالشراء متعددة وتنقسم هي الأخرى إلى صور مختلفة، أوصلها بعض الباحثین إلى عشرین صورة لكن أكثر هذه الصور المذكورة لا تزید على كونها تفصیلا و تفریعا لصورة من الصور الرئیسیة التي سنقتصر علیها، و تتمثل في:
الصورة الأولى: المرابحة للآمر بالشراء على أساس الإلزام.
وذلك بأن یقصد العمیل البنك، و یطلب منه شراء سلعة معینة بالوصف، و یلتزم بوعد أن یشتریها منه بمثل حال أو مؤجل، كما یلتزم البنك ببعیها للعمیل، وقد صور أحد الباحثین هذه الصورة بطریقة علیة مبسطة، بأن ذهب صاحب مستشفى إلى البنك الإسلامي مبديا رغبته في شراء أجهزة متطورة، و أنه لا یملك ثمنها أو لا یملكه كاملا، و لا یرید أن یقترض من بنك ربوي طالبا من البنك مساعدته بأن یشتري تلك الأجهزة من الشركة المصنعة ثم یبیعها لصاحب المستشفى بعد ذلك بربح محدد و في أجل محدد، و یوقع الطرفان وثیقة، هي طالب رغبة ووعد بالشراء من العمیل، وعد من البنك بالبیع، و حین یتملك البنك السلع یوقع الطرفان عقدا بالبیع على أساس الوعد السابق.
الصورة الثانیة: المرابحة للآمر بالشراء على أساس عدم الإلزام،
و ذلك بأن یقصد العمیل البنك، و یطلب منه شراء السلعة الموصوفة، و یتواعدان على ذلك دون اعتبار الوعد اتفاقا ملزما للطرفین، و هذه الصورة هي شبیهة بالصورة الأولى، و تختلف عنها في عدم الإلزام بالوعد لأي من المتعاقدین العمیل أو البنك.
الصورة الثالثة: المرابحة الخارجیة.
و ذلك بأن یتقدم مستورد محلي إلى البنك الإسلامي طالبا منه أن یورد له بضاعة معینة من بلد معین، و غالبا ما یكون متفقا مع التاجر الذي یشتري منه، و یتعهد للبنك بشراء هذه السلعة منه بثمن مؤجل، بعد تملك البنك لها، فیشتري البنك الاسلامي البضاعة من المصدر الأجنبي، وبعد وصولها واستلام البنك مستنداتها ودفع قيمتها يبيعها للمستورد المحلي مرابحة.
خاتمة
عقد المرابحة يمثل أداة تمويل مهمة في الاقتصاد العالمي والاقتصاد الإسلامي على وجه الخصوص. يتيح هذا الآلية تمويل المشروعات بطريقة شرعية ومبتكرة، وتعزيز النمو الاقتصادي. إنها تجسد مفهومًا حضاريًا يجمع بين الاقتصاد والأخلاق والشرعية، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمستثمرين ورجال الأعمال.
المراجع:
- سعد عبد محمد ومي حمودي عبد الله، عقد بيع المرابحة في المصارف الإسلامية. مقال متوفر على الرابط التالي.
- بن الذيب السعيد و دومي عادل، عقد بيع المرابحة بين الشريعة والقانون، مذكرة ماستر، تخصص قانون الأعمال، جامعة محمد بوضياف - المسيلة، 2017-2018. متوفرة على الرابط التالي.