خطة البحث (فهرس المقال)
- مقدمة
- المبحث الأول: مفهوم القرار الإداري
- المبحث الثاني: أركان القرار الإداري
- خاتمة
مقدمة
"تتمتع الإدارة بامتيازات سلطتها العامة، ومن بين أهم تلك الامتيازات، قدرتها على إصدار قرارات تلزم الأفراد بالالتزام وتمنحهم حقوقًا، دون الحاجة إلى موافقتهم أو استئذانهم. هذه السلطة الوحيدة في اتخاذ القرارات الإدارية تعتبر أحد أبرز جوانب السلطة العامة للإدارة، وتمثل فارقًا أساسيًا بين أساليب الفعاليات والأنشطة القانونية في مجالي القانون العام والقانون الخاص.
على سبيل المثال، في القانون الخاص، لا تكون الإرادة الفردية ذات تأثير إلا على الأفراد الذين أصدروا هذه الإرادة. أما في القانون العام، فإن تأثير سلطة الإدارة العامة يظهر جليًا من خلال إصدار القرارات الإدارية ذات القوة القانونية، بمفردها. وبالفعل، اعتبر مجلس الدولة الفرنسي القرارات الإدارية القاعدة الأساسية للقانون العام.
تتحدث أهمية دراسة القرار الإداري من منظورين رئيسيين. أولاً، تشكل القرارات الإدارية أحد أركان وأسس القانون الإداري، وتمثل واحدة من أنجح الوسائل التي تمكن الإدارة من ممارسة نشاطها بفعالية. ثانيًا، تفتح القرارات الإدارية أبوابًا واسعة لمراقبة السلطة القضائية لأعمال الإدارة. وبالفعل، تظل القرارات الإدارية محورًا لغالبية النزاعات والقضايا التي تصل إلى القضاء الإداري، وتعتبر مصدرًا غنيًا للجهود القضائية في هذا المجال.
والإشكال الذي يمكن أن نطرحه: ما فحوى القرار الإداري؟ وما هي أنواعه؟ وما مدى تأثير أركانه على مشروعية القرار؟
المبحث الأول: مفهوم القرار الإداري
المطلب الأول: تعريف القرار الإداري
الفرع الأول: التعريف الفقهي
اختلف الفقه الإداري في إعطاء تعريف للقرار الإداري، ولكن هذا الاختلاف لا يعدو كونه في إطار الجزئيات، أما ما يتعلق بجوهر ماهية القرار الإداري فإنه لا يبدو أن هناك اختلاف بين الفقهاء.
فيُعرف العميد هوريو القرار الإداري بأنه" تصريحٌ وحيد الطرف عن الإرادة صادرٌ عن سلطة إدارية مختصة بصيغة النفاذ بقصد إحداث أثر قانوني" بينما يُعرفه الأستاذ فالين بأنه كل عمل حقوقي وحيد الطرف صادر عن رجل الإدارة المختص، وقابلٌ بحد ذاته أن يُحدث آثاراً قانونية.
أما في الفقه العربي فيُعرفه الدكتور سليمان الطماوي بأنه كل عملٍ صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها، وعرَّف الفقيه عبد الغني بسيوني عبد الله، القرار الإداري بأنه عملٌ قانوني نهائي يصدر من سلطة إدارية وطنية بإرادتها المنفردة وتترتب عليه آثار قانونية معينة.
الفرع الثاني: التعريف القضائي
استقر القضاء الإداري لفترةٍ طويلة على اعتماد تعريف القرار الإداري بأنه إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة في المجتمع معينين بصفاتهم لا بذواتهم.
أو هو تعبير عن إرادة الإدارة العامة، يصدر بإرادتها المنفردة، ويرتب حقوقاً والتزامات في مواجهة الغير، دون الحاجة إلى رضاهم أو موافقتهم.
هذا التعريف هو تعريف واسع يشمل جميع أنواع القرارات الإدارية، سواء كانت فردية أو تنظيمية. وقد تم إقرار هذا التعريف من قبل القضاء الإداري في العديد من الأحكام، منها:
قرار مجلس الدولة المصري رقم 1536 لسنة 42 قضائية: "القرار الإداري هو عمل قانوني صادر عن سلطة إدارية، يرتب حقوقاً والتزامات في مواجهة الغير، وينتج آثاره بمجرد صدوره".
قرار مجلس الدولة الفرنسي رقم 77-9681: "القرار الإداري هو عمل قانوني صادر عن سلطة عامة، يرتب حقوقاً والتزامات في مواجهة الغير، وينتج آثاره بمجرد صدوره".
الفرع الثالث: خصائص القرار الإداري
ويتضح من التعريف السابق أن هناك عدة شروط يجب توافرها لنكون أمام قرار إداري وهي:
* أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية.
* أن يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة.
* ترتيب القرار لأثار قانونية.
أولاً: أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية
يشترط في القرار الإداري أن يصدر من سلطة إدارية وطنية سواء أكانت داخل حدود الدولة أو خارجها من دون النظر إلى مركزية السلطة أو عدم مركزيتها، ولنكون أمام قرار إداري ينبغي أن يصدر هذا القرار من شخص عام له الصفة الإدارية وقت إصداره ولا عبرة بتغير صفته بعد ذلك وهو ما يميز القرار الإداري عن الأعمال التشريعية والقضائية.
ثانياً: صدور القرار بالإدارة المنفردة للإدارة
يجب أن يصدر القرار من جانب الإدارة وحدها، وهو ما يميز القرار الإداري عن العقد الإداري الذي يصدر باتفاق أرادتين سواء أكانت هاتين الإرادتين لشخصين من أشخاص القانون العام أو كان أحدها لشخص من أشخاص القانون الخاص.
والقول بضرورة أن يكون العمل الإداري صادراً من جانب الإدارة وحدها ليكتسب صفة القرار الإداري لا يعني أنه يجب أن يصدر من فرد واحد، فقد يشترك في تكوينه أكثر من فرد كل منهم يعمل في مرحلة من مراحل تكوينه لأن الجميع يعملون لحساب جهة إدارية واحدة (2)
ثالثاً: ترتيب القرار لآثار قانونية
لكي يكون القرار إدارياً يجب أن يرتب آثاراً قانونية وذلك بإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني معين، فإذا لم يترتب على العمل الإداري ذلك فإنه لا يعد قراراً إدارياً.
وبناءً على ذلك فإن الأعمال التمهيدية والتقارير والمذكرات التحضيرية التي تسبق اتخاذ القرار لا تعد قرارات إدارية ونجد أنه من المناسب أن نبين مضمون بعض هذه الأعمال:
1. الأعمال التمهيدية والتحضيرية: وهي مجموعة من القرارات التي تتخذها الإدارة وتتضمن رغبات واستشارات وتحقيقات تمهيدا لإصدار قرار إداري وهذه الأعمال لا تولد آثاراً قانونية ولا يجوز الطعن فيها بالإلغاء.
2. المنشورات والأوامر المصلحية: وهي الأعمال التي تتضمن تعليمات وتوجيهات صادرة من رئيس الدائرة إلى مرؤوسيه لتفسير القوانين أو اللوائح وكيفية تطبيقها وتنفيذها، ما دامت هذه المنشورات لم تتعد هذا المضمون أما إذا تضمنت أحداث آثار في مراكز الأفراد فأنها تصبح قرارات إدارية يقبل الطعن فيها بالإلغاء.
3. الأعمال اللاحقة لصدور القرار: الأصل أن هذه الأعمال لا ترتب آثراً قانونياً لأنها أما أن تكون بمثابة إجراءات تنفيذية لقرارات سابقة فلا يقبل الطعن فيها بالإلغاء لأنها تنصب على تسهيل تنفيذ القرار الإداري السابق، ولا تشير إلى قرارات مستقبلة فلا يكون الأثر المترتب عليها حالاً.
4. الإجراءات الداخلية: وتشمل إجراءات التنظيم للمرافق العامة التي تضمن حسن سيرها بانتظام واطراد، والإجراءات التي يتخذها الرؤساء الإداريون في مواجهة موظفيهم المتعلقة بتقسيم العمل في المرفق وتبصير الموظفين بالطريق الأمثل لممارسة وظائفهم.
المطلب الثاني: تصنيف القرارات الإدارية
تُنقسم القرارات الإدارية إلى أنواع متعددة وذلك استنادًا إلى الزوايا التي يمكن من خلالها النظر إليها أو استنادًا إلى الأسس التي يتم بها التصنيف. يتم تصنيفها من حيث التكوين إلى قرارات بسيطة وأخرى مركبة، ومن حيث المدى إلى قرارات فردية وقرارات تنظيمية. سنقوم الآن بالتعمق في أهم هذه التصنيفات.
الفرع الأول: باعتبار مداها
تنقسم القرارات الإدارية إلى نوعين رئيسيين: القرارات البسيطة والقرارات المركبة. القرارات البسيطة تتميز بكونها تتأتى من كيان مستقل وتعتمد على عملية قانونية واحدة دون أن تكون مرتبطة بقرار قانوني آخر. على سبيل المثال، يمكن للقرار الصادر بتعيين موظف أو ترقيته أو نقله أن يعتبر قرارًا بسيطًا. هذا النوع من القرارات هو الأكثر شيوعًا في السياق الإداري.
أما النوع الثاني هو القرارات المركبة، وهي تلك القرارات التي تندرج ضمن عملية قانونية مركبة تتكون من عدة مراحل. من أمثلة هذه القرارات: قرار نزع الملكية للمنفعة العامة وقرار إرساء المزاد أو إجراء المناقصة في العقود الإدارية. على سبيل المثال، قرار النزع يتضمن عدة خطوات مثل تقرير المنفعة العامة للعقار المعني بالنزع، إعداد كشوف الحصر لهذه المنفعة، ثم صدور قرار نقل الملكية أو تقرير المنفعة العامة. هذا النوع من القرارات يتطلب عملية قانونية معقدة ومتعددة الخطوات.
يظهر التقسيم بين هذين النوعين من القرارات أهميته التاريخية في السياق القانوني الفرنسي. في الماضي، لم يكن من الممكن الطعن في القرارات التي تندرج ضمن عملية إدارية مركبة بحجة الإلغاء أمام مجلس الدولة. وذلك استنادًا إلى نظرية الدعوى الموازية التي تقتضي أن الشخص الذي يتأثر بقرار إداري معقد يمكنه اللجوء إلى مسار قانوني آخر لحماية حقوقه. ولكن مع مرور الزمن، بدأت الممارسات القانونية تتغير، وسمح مجلس الدولة بالطعن في الأعمال القابلة للانفصال عن العملية المركبة بشكل منفصل وبشروط معينة.
هذا التقسيم بين القرارات البسيطة والقرارات المركبة يساهم في تحديد كيفية التعامل مع القرارات الإدارية والتي تتطلب إجراءات قانونية محددة حسب نوع القرار وتأثيره.
الفرع الثاني: باعتبار تركيبها
تنقسم القرارات الإدارية من حيث مداها إلى نوعين رئيسيين: القرارات التنظيمية والقرارات الفردية. هذا التقسيم يعد واحدًا من أهم التصنيفات التي تنطوي عليها القرارات الإدارية نظرًا لتأثيراته المتعلقة بالنظام القانوني والأفراد.
أولًا: القرارات التنظيمية القرارات التنظيمية تحتوي عادة على قواعد عامة مجردة تُطبق على جميع الأفراد الذين يستوفون الشروط المحددة مسبقًا. تكون مراكز القانون التي تنشأ بواسطة هذه القرارات عامة وغالباً لا ترتبط بأفراد معينين بل بصفاتهم. هذه القرارات تعتبر تشريعًا ثانويًا وتشترك مع التشريع العام في تنظيم القواعد. تظل هذه اللوائح نافذة وتطبق مستقبلًا.
ثانيًا: القرارات الفردية القرارات الفردية هي القرارات التي تنشئ مراكز قانونية خاصة بحالات فردية تتصل بفرد معين بالذات أو مجموعة أفراد محددين بذواتهم. تتضمن هذه القرارات القوانين المحددة لتلك الحالات الفردية وتستنفذ عندما تصدر واحدة مرة واحدة. على سبيل المثال، القرار الصادر بتعيين موظف عام أو ترقيته يعد مثالًا على القرارات الفردية.
الاختلاف بين القرارات التنظيمية والفردية يظهر في العديد من النقاط:
تسري القرارات الفردية على فرد أو مجموعة معينة بالذات، بينما تتضمن القرارات التنظيمية قواعد عامة مجردة تطبق على كل من يستوفي شروط محددة.
يصبح القرار الفردي نافذًا من تاريخ إصداره عادةً، بينما تبدأ سريان القرارات التنظيمية عند نشرها في الجريدة الرسمية.
يمكن للإدارة تعديل القرارات التنظيمية أو إلغائها أو سحبها بسهولة أكبر، بينما تخضع القرارات الفردية لشروط معينة للتعديل أو السحب أو الإلغاء.
الفرع الثالث: باعتبار خضوعها لرقابة القضاء
تنقسم القرارات الإدارية من زاوية خضوعها لرقابة القضاء إلى قرارات تخضع لرقابة القضاء وهذا هو الأصل، وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وهي القرارات المتعلقة بأعمال السيادة أو تلك التي منعت التشريعات الطعن فيها أمام القضاء.
أولاً: القرارات الخاضعة لرقابة القضاء
تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة والأكثر ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية تلزم الجميع بتنفيذها و احترامها.
والأصل أن تخضع جميع القرارات الإدارية النهائية لرقابة القضاء أعمالاً لمبدأ المشروعية. ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة الأول يسمى القضاء الموحد والدي تنحصر الرقابة القضائية فيه في نطاق ضيق من جانب القضاء يتمثل أساسا في التعويض عن الأضرار التي قد تنتج من جراء تطبيق القرارات الإدارية.
ومقتضاه أن تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة أو بين الهيئات الإدارية نفسها.
وهذا النظام يتميز بأنه أكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعة إذ يخضع الأفراد والإدارة إلى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يسمح بمنح الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد. أما نظام القضاء المزدوج فيقوم على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين، جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة
ووفقاً لهذا النظام تخضع جميع القرارات الإدارية لرقابة القضاء الإداري إلغاءً وتعويضاً، إلا في استثناءات معينة تتعلق بأعمال السيادة والقرارات التي حصنها المشرع من رقابة القضاء.
ثانياً: القرارات المحصنة
إذا كان الأصل هو خضوع القرارات الإدارية للرقابة فان مستلزمات المصلحة العامة قد تقتضي التخفيف من صرامة هذا المبدأ فتسمح بموازنة مبدأ المشروعية من خلال نظرية السلطة التقديرية والظروف الاستثنائية.
ومنه وكاستثناء من ذلك هناك طائفة من القرارات تم إخراجها من مجال التغطية القضائية بصفة كلية وتحصينها إما بموجب نصوص قانونية أو اجتهادات قضائية هذه القرارات تسمى بالقرارات السيادية مثل القرارات الرئاسية والحكومية إلا أن الدول تبالغ أحيانا في استعاد الكثير من القرارات الإدارية من الخضوع للطعن أمام القضاء للاعتبار مختلفة.
ولا شك أن هذا الاتجاه خطير من المشرع لأن تحصينه للقرارات الإدارية من الطعن، يجرد الأفراد من ضمانة مهمة في مواجهة تعسف الإدارة.
المبحث الثاني: أركان القرار الإداري
يقوم أي قرار إداري على أركان أساسية حتى يكون القرار مشروعا فإدا انعدم ركن من الأركان اعتبر القرار معيبا هذه الأركان منقسمة إلى قسمين: أركان شكلية و أركان موضوعية
المطلب الأول: الأركان الشكلية
الفرع الأول: الشكل
الشكل في القرار الإداري يُشير إلى المظهر الخارجي للقرار والخطوات المتبعة في إصداره. تهدف الشكليات إلى تحقيق انسيابية الخدمات العامة من جهة، وضمان حقوق الأفراد من جهة أخرى. إنها تمثل ضمانًا للإدارة نفسها لمنعها من التعامل العشوائي والتسرع في اتخاذ قرارات غير مدروسة، وتهديد حقوق الأفراد وحرياتهم. وبالتالي، لا يمكن تجاهل الأهمية الكبيرة للشكليات في القرارات الإدارية.
كما قال الفقيه الألماني إيهرينغ، الشكليات والإجراءات تمثل التوازن بين الحرية والتحكم، وتعد عاملًا مكملًا لمبدأ المشروعية. ومع ذلك، يجب أن يتم التحكم في تطبيق الإجراءات بحذر، حيث يمكن أن يؤدي تفريطها إلى تعقيد العمليات من قِبل الأطراف المعنية أو التدخلات غير المبررة من الجهات السياسية أو الاقتصادية. ويمكن أن تؤدي المبالغة في الشكليات إلى تباطؤ العمليات الإدارية.
ومع ذلك، يجب أن يتم التوازن بين تحقيق الشكليات اللازمة والحفاظ على كفاءة الإجراءات والعمليات. الشكليات في القرارات الإدارية تلعب دورًا مهمًا في ضمان الالتزام بالأحكام القانونية والمبادئ، وتسهم في تحقيق مصالح الإدارة والمواطنين بشكل عادل.
ورغم ذلك فإن إخضاع السلطات الإدارية لبعض الإجراءات الشكلية يشكل ضمانةً قوية للأفراد.
والأصل أن القرار الإداري لا يخضع لشكلٍ معين إلا إذا نصّ القانون على خلاف ذلك بأن استلزم كتابته أو احتواءه على بياناتٍ معينة كذكر السبب مثلاً، أو استوجب اتخاذ إجراءات محددة كأخذ رأي هيئة، أو إجراء التحقيق اللازم.
ولا يؤدي عيب الشكل إلى بطلان القرار الإداري إلا إذا نصّ المشرع صراحةً على البطلان في حالة عدم استيفاء الشكل المطلوب، أو إذا كان عيب الشكل جسيماً أو جوهرياً بحيث أن تلافيه كان يمكن أن يؤثر في مضمون القرار أو يغير من جوهره.
أما مسائل الإجراءات والشكليات الثانوية التي لا تؤثر في سلامة القرار موضوعياً والمُقررة لمصلحة الإدارة فلا تُرتب البطلان، وذلك من باب عدم المبالغة في التمسك بالشكليات.
الفرع الثاني: الاختصاص
إن توزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية من الأفكار الأساسية التي يقوم عليها نظام القانون العام ويراعى فيها مصلحة الإدارة التي تستدعي أن يتم تقسيم العمل حتى يتفرغ كل موظف لأداء المهام المناطة به على أفضل وجه، كما أن قواعد الاختصاص تحقق مصلحة الأفراد من حيث أنه يسهل توجه الأفراد إلى أقسام الإدارة المختلفة ويساهم في تحديد المسؤولية الناتجة عن ممارسة الإدارة لوظيفتها.
ويقصد بالاختصاص القدرة على مباشرة عمل إداري معين أو تحديد مجموعة الأعمال والتصرفات التي يكون للإدارة أن تمارسها قانوناً وعلى وجه يعتد به.
والقاعدة أن يتم تحديد اختصاصات كل عضو إداري بموجب القوانين والأنظمة ولا يجوز تجاوز هذه الاختصاصات و إلا اعتبر القرار الصادر من هذا العضو باطلاً.
وقواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام، لذلك لا يجوز لصاحب الاختصاص أن يتفق مع الأفراد على تعديل تلك القواعد، و إلا فإن القرار الصادر مخالفاً لهذه القواعد يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص القانوني.
والقواعد القانونية المتعلقة بالاختصاص يمكن حصرها بالعناصر الآتية:
1- قواعد الاختصاص من حيث الأشخاص:
يشترط لصحة القرار الإداري أن يصدر من الشخص أو الهيئة المنوط بها إصداره، فلا يملك هذا الشخص أو تلك الجهة نقل اختصاصها للغير إلا في الأحوال التي يجيزها القانون بناءً على تفويض أو حل قانوني صحيح و إلا كان القرار الصادر مشوباً بعيب عدم الاختصاص.
2- قواعد الاختصاص من حيث الموضوع:
يحدد القانون اختصاصات كل موظف أو جهة إدارية بموضوعات معينة فإذا تجاوز هذا الموظف أو الإدارة اختصاصاته تلك فتعدى على اختصاصات جهة أخرى، تحقق عيب عدم الاختصاص، ويكون هذا الاعتداء أما من جهة إدارية على اختصاصات جهة إدارية أخرى موازية أو مساوية لها، أو من جهة إدارية دنيا على اختصاصات جهة إدارية عليا أو من جهة أخرى إدارية عليا على اختصاصات جهة أدنى منها، أو اعتداء السلطة المركزية على اختصاصات الهيئات اللامركزية.
3- قواعد الاختصاص حيث المكان:
يتم من خلالها تحديد النطاق المكاني الذي يجوز لرجل الإدارة أن يباشر اختصاصه فيه، فإذا تجاوز هذا النطاق، فإن قراراته كون مشوبة بعيب عدم الاختصاص، وهذا العيب قليل الحدوث في العمل لأن المشرع كثيراً ما يحدد وبدقة النطاق المكاني الذي يجوز لرجل الإدارة أن يمارس اختصاصه فيه وغالباً ما يتقيد الأخير بحدود هذا الاختصاص ولا يتعداه.
4- قواعد الاختصاص من حيث الزمان:
وذلك بأن يتم تحديد فترة زمنية معينة يكون لرجل الإدارة أن يباشر اختصاصه فيها، فإذا أصدر قرار خارج النطاق الزمني المقرر لممارسته، كما لو أصدر رجل الإدارة قراراً إدارياً قبل صدور قرار تعيينه أو بعد قبول استقالته أو فصله من الوظيفة أو إحالته على التقاعد.
كذلك إذا حدد المشرع مدة معينة لممارسته اختصاص معين أو لإصدار قرار محدد فإن القرار الإداري الصادر بعد انتهاء المدة الزمنية المعينة لإصداره يعد باطلاً ومعيباً بعدم الاختصاص إذا اشترط المشرع ذلك، فإن لم يفعل فقد درج القضاء الإداري في فرنسا ومصر على عدم ترتيب البطلان.
ومخالفة قواعد الاختصاص أما أن تكون في صورة إيجابية أو في صورة سلبية، فتكون المخالفة إيجابية عندما يصدر الموظف أو الجهة الإدارية قراراً من اختصاص موظف آخر أو جهة إدارية أخرى.
وتكون المخالفة سلبية عندما يرفض الموظف أو الإدارة إصدار قرار معين ظناً منهما بأن القرار غير داخل في ضمن اختصاصاتهما.
المطلب الثاني: الأركان الموضوعية
سبب القرار الإداري هو الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق القرار وتدفع الإدارة لإصداره. وهو عنصر خارجي موضوعي يبرر للإدارة التدخل بإصدار القرار، وليس عنصراً نفسياً داخلياً لدى من إصدار القرار.
شروط سبب القرار الإداري
وقد استقر القضاء على ضرورة توفر شرطين في سبب القرار الإداري:
أن يكون سبب القرار قائماً وموجوداً حتى تاريخ اتخاذ القرار: ويتفرع من هذا الشرط ضرورتان: الضرورة الأولى: أن تكون الحالة الواقعية أو القانونية موجودة فعلاً وإلا كان القرار الإداري معيباً في سببه.
الضرورة الثانية: يجب أن يستمر وجودها حتى صدور القرار.
أن يكون السبب مشروعاً: وتظهر أهمية هذا الشرط في حالة السلطة المقيدة للإدارة، عندما يحدد المشرع أسباباً معينة يجب أن تستند إليها الإدارة في إصدار بعض قراراتها. فإذا استندت الإدارة في إصدار قرارها إلى أسباب غير تلك التي حددها المشرع فإن قراراها يكون مستحقاً للإلغاء لعدم مشروعية السبب.
أهمية سبب القرار الإداري
لسبب القرار الإداري أهمية كبيرة، فهو:
عنصر أساسي من أركان القرار الإداري: فالقرار الإداري لا يتحقق إلا إذا توفر فيه سبب مشروع قائم وموجود حتى تاريخ اتخاذ القرار.
سبب لمراقبة القضاء على أعمال الإدارة: يمكن للقضاء الإداري إلغاء القرار الإداري إذا كان سببه غير موجود أو غير مشروع.
الفرع الأول: السبب
نتحدث عن الأركان الموضوعية المتعلقة بالسبب والمبرر للقرار.
الفرع الثاني: المحل
يقصد بمحل القرار الإداري الأثر الحال والمباشر الذي يحدثه القرار مباشرة سواء بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه.
ويجب أن يكون محل القرار ممكناً وجائزاً من الناحية القانونية، فإذا كان القرار معيباً في فحواه أو مضمونه بأن كان الأثر القانوني المترتب على القرار غير جائز أو مخالف للقانون أياً كان مصدره دستورياً أو تشريعياً أو لائحياً أو عرفاً أو مبادئ عامة للقانون، ففي هذه الحالات يكون غير مشروع ويكون القرار بالتالي باطلاً.
ومخالفة القرار للقواعد القانونية تتخذ صوراً متعددة وهي:
1- المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية:
وتتحقق هذه عندما تتجاهل الإدارة القاعدة القانونية وتتصرف كأنها غير موجودة، وقد تكون هذه المخالفة عمدية، كما قد تكون غير عمدية نتيجة عدم علم الإدارة بوجود القاعد القانونية بسبب تعاقب التشريعات وعدم مواكبة الإدارة للنافذ منها.
2- الخطأ في تفسير القاعدة القانونية:
وتتحقق هذه الحالة عندما تخطأ الإدارة في تفسير القاعدة القانونية فتعطي معنى غير المعنى الذي قصده المشرع.
والخطأ في تفسير القاعدة القانونية أما أن يكون غير متعمد من جانب الإدارة فيقع بسبب غموض القاعدة القانونية وعدم وضوحها، واحتمال تأويلها إلى معان عدة، وقد يكون متعمداً حين تكون القاعدة القانونية المدعى بمخالفتها من الوضوح بحيث لا تحتمل الخطأ في التفسير، ولكن الإدارة تتعمد التفسير الخاطئ فيختلط عيب المحل في هذه الحالة بعيب الغاية.
3- الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية:
ويحصل هذا الخطأ في حالة مباشرة الإدارة للسلطة التي منحها القانون إياها، بالنسبة لغير الحالات التي نص عليها القانون أو دون أن تتوفر الشروط التي حددها القانون لمباشرتها.
" ومثال ذلك أن يصدر الرئيس الإداري جزاء تأديبياً بمعاقبة أحد الموظفين دون أن يرتكب خطأ يجيز هذا الجزاء."
الفرع الثالث: الغاية
يقصد بالغاية من القرار الإداري الهدف الذي يسعى هذا القرار إلى تحقيقه والغاية عنصر نفسي داخلي لدى مصدر القرار، فالهدف من إصدار قرار بتعيين موظف هو لتحقيق استمرار سير العمل في المرفق الذي تم تعيينه فيه والهدف من لإصدار قرارات الضبط الإداري هو حماية النظام العام.
وغاية القرارات الإدارية كافة تتمثل في تحقيق المصلحة العامة للمجتمع، فإذا انحرفت الإدارة في استعمال سلطتها هذه بإصدار قرار لتحقيق أهداف تتعارض مع المصلحة العامة فإن قراراها يكون مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، ويعد هذا العيب من أسباب الطعن بالإلغاء التي ترد على القرار الإداري.
والأصل أن كل قرار إداري يستهدف تحقيق المصلحة العامة، ويفترض فيه ذلك وعلى من يدعي خلاف ذلك الإثبات وعيب الانحراف بالسلطة أو الغاية عيب قصدي أو عمدي يتعلق بنية مصدر القرار الذي يجب أن يكون سيء النية يعلم أنه يسعى إلى غاية بعيدة عن المصلحة العامة أو غير تلك التي حددها القانون.
ولأن هذا العيب يتصل بالبواعث النفسية الخفية لجهة الإدارة، وإثباته يتطلب أن يبحث القضاء في وجود هذه البواعث وهو أمر بعيد المنال، فقد أضفى القضاء على هذا العيب الصفة الاحتياطية فلا يبحث في وجوده طالما أن هناك عيب آخر شاب القرار الإداري، مثل عدم الاختصاص أو عيب الشكل أو مخالفة القانون.
ويمكن تحديد الغاية من القرار الإداري وفقاً لثلاثة اعتبارات:
1- استهداف المصلحة العامة:
السلطة التي تتمتع بها الإدارة ليست غاية في ذاتها إنما هي وسيلة لتحقيق الغاية المتمثلة بالمصلحة العامة، فإذا حادت الإدارة عن هذا الهدف لتحقيق مصالح شخصية لا تمت للمصلحة العامة بصلة كمحاباة الغير أو تحقيق غرض سياسي أو استخدام السلطة بقصد الانتقام فإن قراراتها تكون معيبة وقابلة للإلغاء.
2- احترام قاعدة تخصيص الأهداف:
على الرغم من أن الإدارة تستهدف تحقيق المصلحة العامة دائماً فقد يحدد المشرع للإدارة هدفاً خاصاً يجب أن تسعى قراراها لتحقيقه وإذا ما خالفت هذا الهدف فإن قراراتها يكون معيباً بإساءة استعمال السلطة ولو تذرعت الإدارة بأنها قد قصدت تحقيق المصلحة العامة، وهذا ما يعرف بمبدأ تخصيص الأهداف ومثال ذلك قرارات الضبط الإداري التي حدد لها القانون أهدافاً ثلاثة لا يجوز للإدارة مخالفتها وهي المحافظة على الأمن العام و السكينة العامة والصحة العامة، فإذا خالفت الإدارة هذه الأهداف في قرارات الضبط الإداري فإن قرارها هذا يكون معيباً وجديراً بالإلغاء.
3- احترام الإجراءات المقررة:
يتعين على الإدارة احترام الإجراءات التي بينها القانون لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه، فإذا انحرفت الإدارة في الإجراءات الإدارية اللازمة لإصدار قرار معين بإجراءات أخرى لتحقيق الهدف الذي تسعي إليه فإن تصرفها هذا يكون مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة في صورة الانحراف بالإجراءات.
وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب أما لأنها تعتقد أن الإجراء الذي اتبعته لا يؤدي لتحقيق أهدافها أو أنها سعت إلى التهرب من الإجراءات المطولة أو الشكليات المعقدة، ومثال ذلك أن تلجأ الإدارة إلى الاستيلاء المؤقت على العقارات بدلاً من سيرها في طريق إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة تفادياً لطول إجراءات نزع الملكية، أو أن تقرر الإدارة ندب موظف وهي تستهدف في الحقيقة معاقبته فتلجأ إلى قرار الندب لتجريده من ضمانات التأديب.
خاتمة
في الختام، يمكننا أن نستنتج أن القرارات الإدارية تشكل أساس العمل الإداري وتؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد والمجتمع. تمثل هذه القرارات مفهومًا شاملًا يجمع بين التعريف الفقهي والتعريف القضائي، وتتميز بخصائصها المميزة. تصنف القرارات إداريًا بناءً على مداها وتركيبها، وتتكون من أركان شكلية وموضوعية تجعلها قراراتٍ سليمة وقانونية. تعكس أركان القرار الشكلية الإجراءات والشكل الخارجي للقرار، بينما تمنح أركانه الموضوعية الأساس والمبرر لاتخاذه. هذا التوازن بين الأركان الشكلية والموضوعية يضمن حسن سير العمل الإداري والالتزام بمبدأ المشروعية. يجب أن نحافظ على هذا التوازن لضمان عدالة القرارات الإدارية وثقة الأفراد في النظام الإداري.
أسئلة وأجوبة حول القرارات الإدارية (اضغط على السؤال لرؤية الجواب)
مفهوم القرار الإداري
ما هو مفهوم القرار الإداري؟
القرار الإداري هو قرار يتخذه جهاز إداري أو جهاز حكومي يتعلق بمسائل إدارية، ويكون له تأثير على الأفراد أو المؤسسات.
تصنيف القرارات الإدارية
كيف يمكن تصنيف القرارات الإدارية؟
يمكن تصنيف القرارات الإدارية بناءً على مدى تأثيرها وتكوينها. تصنف بشكل رئيسي إلى قرارات بسيطة وقرارات مركبة وفقًا لتعقيد مضمونها.
أركان القرار الإداري
ما هي الأركان الشكلية للقرار الإداري؟
الأركان الشكلية تتضمن الشكل والاختصاص، حيث يجب أن يتبع القرار شكلًا محددًا ويصدره جهاز مخول قانونًا باتخاذه.
ما هي الأركان الموضوعية للقرار الإداري؟
الأركان الموضوعية تتضمن السبب، المحل، والغاية. يجب أن يكون القرار مستندًا إلى أسباب مشروعة، ويتعين أن يكون موضوعه محددًا ويحقق هدفاً قانونيًا.
أسئلة الامتحانات في القانون الإداري
تجدون في هذه الصفحة على الموقع مجموعة من الامتحانات المطروحة على طلبة السنة الأولى في القانون الاداري
بعض المراجع حول القرار الإداري
الكتب
الأطروحات والمذكرات الجامعية
المقالات
المبادئ الأخلاقية للبحث العلمي
مكافحة السرقة العلمية:
- احترم دائمًا أفكار وعمل الآخرين من خلال إسناد مساهماتهم بشكل صحيح.
- لا تنسى تقديم مراجع للمصادر الخاصة بك وتوفير مراجع مناسبة لتعزيز نزاهة عملك.
احترام حقوق المؤلف:
- كن واعيًا لحقوق المؤلف وتراخيص الأعمال التي تستخدمها، وامتنع عن استخدام الأعمال بدون إذن.
- تعلم كيفية إسناد الأعمال بشكل صحيح للاعتراف بجهود الأفراد الإبداعية.
الشفافية في البحث:
- كن شفافًا في منهجيتك البحثية لتعزيز الثقة وقابلية تكرار نتائجك.
- شجع على نشر البيانات والطرق لتمكين الباحثين الآخرين من تكرار نتائج بحثك.
واجب الإشارة إلى المراجع:
- أشر إلى جميع المصادر التي تستخدمها في بحثك، بما في ذلك البيانات والمنشورات السابقة وأعمال الباحثين الآخرين، لتعزيز مصداقية بحثك.
إعلان الصراعات المصلحية:
- أخبر الآخرين عن أي صراع مصلحة قد يؤثر على نتائج بحثك.
احترام موضوعات البحث البشرية أو الحيوانية:
- إذا كانت بحثك يتضمن مواضيع بحث بشرية أو حيوانية، تأكد من احترام القوانين الأخلاقية والموافقات المناسبة.
التواصل الأخلاقي:
- شجع على التواصل المفتوح والصادق حول نتائج بحثك، بما في ذلك الكشف عن أي قيود محتملة في الدراسة.